الخميس، 8 سبتمبر 2016

( صورةُ قاتمه )

(1)
من أي قولٍ كنتِ تجترحين هذا الصمتْ ؟
ولأي أغنية سترتحلين ؟ والضفة الأخرى تموت ولا ترى .
والشاعر المؤود في رئة القصيدة مبحرٌ بالكاد يقتلع الحنين .
ولأي قافلةٍ سينأى ؟ للذين يشتتون الخوفَ في كبد البلاد المضمحله ؟
الله صاحبهُ اذاً ، والانبياء الصالحون رواتبٌ كتبت على هذي الجدارات المريبة .
ميري .. تعالي كي نزيح الوقت عن لغةٍ تعرّت بالمواجع .
ونقول أن النيلَ ، آت .

(2)
شيءٌ هنالك ربما سيتيح للفوضى التخلّق .
في مدرَك الأيام حين تعود من نمولي ستخبرهم بأنَ النيل ، آتٍ .
والشقاوةُ في ملامح كل طفلٍ سوفَ تبدو مرهقة .
والشوارعُ كلّمتها أن تغادر في صباحٍ باكرٍ جسد المشاة .
لا لهذي القبعاتِ الطائرة ، لا لبرهنةِ التداعي .
لا لتخليص الكنائس من قساوسةِ الخلاص الزاهدين .
لا لهذا القولِ حتى ، والتناص .
في البحيراتِ التي ألفت شموخَ رصاصةِ بلهاء في جسد المواشي .
كانَ يبدو واضحاً للموتِ ، أن الموت آت .

(3)
الساعةٌ الآن مجهولةٌ في الوعود .
سنلتقي ، قالها مرتين ، سنكتفي بالمرورِ لتفجأنا صورةٌ غاتمه .
في مرايا من الشمسِ كانت تزينُ صدر المغيب.
والقوارير مملوءة بالنعاس .
و( الطوابير ) للخبز أقصرُ من تلكمُ الشاهدوها بـ( قطّيةِ ) العاهرات .
والسنابل مأسورةٌ في أكف الرعاةُ .
والطنابيرُ مفرغةٌ لحنها في انتشاء ، من أقاصي الشمال تجيءُ مرقعةً بالحنين .
سننتهي ، قالها دون ريب ، ولا شأنَ للصورة الغاتمه .
غيرّ أن الحقيقةَ كانتْ موسّمةٌ بال( غباش ) .
والذي أوغلَ السُكر في عقولِ الجنود إدعى عنوةً أنّه من سُلال الفراش .
(4)
الهشابُ يزيّن أعناقها .
و(النوير) على أغلب الوقت كانوا هنالك لا يفقهون .
ما الذي جرى ؟ ما الذي قد يكون ؟ صوتُ احذيةٍ قادمة .
كيف تُسمع اصواتها ؟ كيف يبدو الضجيجُ
على حافةِ النهرِ حين تدركه العاصفه ؟
للذي خمّر البؤسَ في عيون الشمال ، للذي عبأ الحربَ في وريدِ الجنوب .
للسوادِ الذي في جلود (الشلُك) .
سوف تأتي النبيّة ، سوف يأتي الخلاص .
قالها شاعرٌ ذاتَ يوم ، ومات .
وانتهت سيرةُ الكبرياء ، حينَ قامت من الوحلِ ألغامه .
(5)
ميري ، أخرجي من عباءتك المرهفة .
من سلالتك التي لم تقدم الى العهرِ أحشاءها في العشاء .
لم تقدم الى الحرب أطفالها والنساء .
أخرجي حيث قمنا على الوعدِ ، ألا نحيد .
والضبابُ الذي أُشعِلت خلفهُ نار هذا
النزاع ، ( أُعفريه ) على أرضك القاحله ،واتركيه يلملمُ أوزاره في سكوت .
هاهنا يطرق الليل أسفارنا كي نفوت .
واضعاً سيفه في كتوف المصلين والاتقياء .
حاملاً بُردة الأنبياء ، تاركاً في (جوبا) 
كلّ زهرٍ يبيد .
هاهنا تقبر الارض اشلاءها .
كي توَدع أحلامها في المروج للذي شوّه اللغةَ المستقله ، والذي حرّض النيل للغياب .

(6)
لوحةٌ عارية .
والسماء ملبدةٌ بالدخان ، والمجالس طافحةٌ بالروَث .
يشرب العسكر الدمعة الجارية .
من دماء (الغلابة) يكتسي كأسه الزاهية .
وبإزميل (اندايةٍ) سوف يمضي ساكباً محنته .
كيفما شاء للسُكر ان يعتلي صهوة في العروق التي تنزوي في سكون .
سوف تسمع أصواتهم عاليه .
( هيـــي يا جنى ..  ما تفوتي تسيبو .. صوت الغنــا .. كتريهو نصيبو .. يوم لهّنــا .. بي هبيــبو هبيــيو .. قام لجّنــا .. دينكا فيها جنوبو .. فيها جنوبـو .. فيها جنو .. فيها .. )
ثم ما يقتني الصمت أثوابه ، يُبتدى الموتُ من جديد .
والرصاص الرصاص ، الخلاص الخلاص .

(7)

شاهداً واقفاً ساءلاً كل مار .
كيف تبدو الحبيبات في مجمل الليل حين يغفو الوطن  ؟ .
ليت كل الحبيبات يأتين في غفلةٍ واستتار
قالها ساخرٌ عجّل القول في محنته .
فاشترى بعدها قبلةً عارمة .
كان يبدو على الطلح أنّ الهشاشة قد تعتريه اذ الخوف قاربَ للاعتياد .
والسلاطين مفجوعةٌ بالاناشيد والزمجره .
والعبارات في حائطٍ من ورق .
والصحاب الذين انتهوا فجأة للصناديق والاتربه صوتهم باذخ في السماء .
لم يقم سيدٌ كي يقيم الصلاةَ ، ويمضي إليك .
يا صديقي الذي (قالدَ) الوقتَ دون التفات .
انني لست أدري لماذا هنالك كل الوعود تظل وعودْ .
لم تلبى ولن .
يا إله المواويل والاغنيات.
يا شخوص التراتيل والشخشخات وآياتنا في الوهن ، زمليه إذن .
زملي موطني بالوصال ، واحمليه على نعشهِ اللاينـيء ، واقذفيه الى اليم كي ما يغاث .
لحظةً ينتهي مجدنا للبغاث .

(8)
الحدائق مملوءة بالشياطين والقوقعات .
والديانات مفرِطةٌ في التماهي .
سوف تأتي على آخر العهد آنسةٌ من بياض ، كي تمجّد للشمس اطفالها .
ثم ترحل .
كي تغير في الموت أهواله ، ثم ترحل .
كي تعيد البلاد إلى حجر صاحبها في السماء . ثم تُذهل .
فالبلاد انتهت منذ ( كمّينِ ) عام .
لم تجدها هنا في خضاب النساء ، في زجاج العطور .
لم تجدها هنا في غناء الطيور .
لم تجدها هنا في انزواء المغنين خلف السطور .
شاعرٌ قانتٌ في القصيدة .
قصّر الحزن في أحرفٍ عابرة ، فانتهى للموات .

(9)

حين تدرك أنك على وشك الانتحار ، خذ شهقةً عالية ، حرك فمك ، وأبصغ في وجوه الطغاة .

الخميس، 1 سبتمبر 2016

( فوبيا الجسد الميّت )

وحين تفلتني الحياة .
ستنتهي لغتي لأصبح هكذا جسداً بلا مأوى .
يضيف لفكرة الارواح غايتها .
ويلجأ بي الى الترحال في معنًى بلا تشويه .

الله ، منذ ولادتي لم التفت للبحر .
كيف البحر ينبشُ في مواجعنا التي في زورق الاحلام نرميها .
ونضحك في انتشاء .

الله ، منذ ولادتي لم انتبه للوقت .
قلت وربما سأضيع ، لكن لن تكون نهايتي في لوحةٍ ستغير الايام نكهتها .
لتقطف زهرة النيرسيس ثم تعيرها الالوانَ في خجلٍ .
وتندب شوكةٌ في الروح حظ ولادتي المعتوه .
لوّحت خلف نوافذ الرئتين .
قالت نبضةٌ بالقلب : ما اقساك حين تموت قبل صناعة الاسماء .
قبل صياغة الافراح .

قهقهتُ ، قالت غصة بالحلق : سوفَ يعود هذا الصمتُ ، سوف أعيشُ ، سوف أعيشْ .
من قلب سنبلةٍ سأرحل اشعثاً كالقمح ابكي ممسكاً بالريح .
اقتلع الهشاشةَ من سَحاب الموت .
ارفع اصبعي للريح .
كيف تعيق هذي الريحُ ما قد تُنبت الصلوات ؟

بالأمس لقبني القساوسة الذين تنبأوا بغشاوة الايام ، بالشمعي .
قلت وكيف ؟ قالت شمعةٌ : سأضلّ ، دع عنْك السؤال .

وكعادتي في الموت لم اغفَل عن التحليق فوق مخيلات العشق .
قلت : حبيبتي ستضلّ ؟
لم ادري ضجيج القبر حين تلعثم الشهداء .
قالوا ، ليتها كانتْ .
فكيف سأخبر الآتين عبر منافذ النَسيان عن هذي التداعِيّاتِ .
عن هذا الزهايمر ؟ لا شأن لي .

أمي أراها من هنا في الجانب الصوفيّ تحمّل شعلةً روحيةً لتضيء أوعية الخبايا .
تنزع الآلام عن جسدي ، ولا تَقوى .
ولا تدري بأني هاهنا خبأت احزان الربيع لديَّ ثم طبعتها في الورد .
خانتني الفراشات التي في الذاكره .

شتّان بين قصيدةٍ ستجيء محض سياسة التوريط في شأن يهمّك .
بين اخرى لا تهم سوى الذين تعثروا فيما يقول البحر للبحار ، مُتْ .

بالأمس او مذ صار بالامكان ان اغدو شفيفاً تعبر الكلمات من جسدي .
اتيتُ محمّلاً بالقشعريرةِ .
انفث الاوراق ، احرقها على مضضِ وارفض ان تعيش بداخلي صفةٌ لهذا الحزنِ .
هذ الحزن مبتذل فدعني اُصدرُ التأويل .

لا أدّعي بالموتِ انيَ مثقل بالقهرِ .
او بفظاظةِ الايام .
او بسذاجة التشويه للمعنى البديهي الذي سيظلّ يغفر داخلي سوءات هذا النص .
او بالانفصام .

الله علّمنا ومنذ بداية التخليق .
ان نحيا كمن سيجيئه الترحال فرض غمامةٍ ستمرّ عبر الروح داخلَهُ .
فكيف بمن يرى مثلي تطاير هذه الارواح .
يدركُ_آسفٌ جداً_ بقايا ما يصير الآن .

لا شأن لي .
أنجو بما قد كنتَ ، قالت لي حبيباتُ التراب .
تغوص في كبدي .
وأنزف ما اشاء من البكاء .

قل لي صديقي كيف يبدو الآن زحف الحافلات المزعجه ؟
كيف تبدو شوارع الخرطوم ؟
و كيف امسى الناس في قلق على الدولار ؟
وكيف أنت ؟ .

انا لا ارى بالكاد لوحات الفراغ المجهده .
بالله كيف يصوّر الرسام خبر الموت في أذن الحبيبه ؟ .

دعني لأقلق مرتين على الحياة .
فأنا هنا أقسمت ان لا تنتهي آياتُ هذا الشيء .
اعلمُ جيداً
لازلت احنث كل يوم تقتفي فيه الحياة بذيل اغنية تبعثر أحجيات الرب .
تلعن ذاتها بالموتِ .
تشغل فقرةَ المذياع ، بالصلوات .

لا ليس لي لغة لينهض داخلي الشعراء
يكتنزون ما لوحت حيث تغبّر التأريخ ، صرتُ مهدداً بالبوحِ .
يدمي مقلتي الاعياء .
تقسو بي صفاتُ الشهقة الاولى .
وتنسج حولي _المومياء تشبهني_ عناكبُ لن تحيدَ الآن مثل شعائر الاصحاب .

من أي لحنٍ ؟ لن أعود .
فقط افهموا اني سأخلد في غناء حبيبتي أمي .
ستشفع لي برب البيت ، سيمفونية الدعوات .
حين أصيرُ مبتذلاً ، كهذا الموت .